فصل: القول بأنها أسماء السور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.كون فواتح السور أسماءها:

والمختار عند أكثر المحققين من هذه الأقوال أنها أسماء السور، والدليل عليه أن هذه الألفاظ إما أن لا تكون مفهومة، أو تكون مفهومة، والأول باطل، أما أولًا فلأنه لو جاز ذلك لجاز التكلم مع العربي بلغة الزنج، وأما ثانيًا فلأنه تعالى وصف القرآن أجمع بأنه هدى وذلك ينافي كونه غير معلوم.
وأما القسم الثاني فنقول: إما أن يكون مراد الله تعالى منها جعلها أسماء الألقاب، أو أسماء المعاني، والثاني باطل؛ لأن هذه الألفاظ غير موضوعة في لغة العرب لهذه المعاني التي ذكرها المفسرون، فيمتنع حملها عليها؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب، فلا يجوز حملها على ما لا يكون حاصلًا في لغة العرب؛ ولأن المفسرين ذكروا وجوهًا مختلفة، وليست دلالة هذه الألفاظ على بعض ما ذكروه أولى من دلالتها على الباقي فأما أن يعمل على الكل، وهو معتذر بالإجماع؛ لأن كل واحد من المفسرين إنما حمل هذه الألفاظ على معنى واحد من هذه المعاني المذكورة، وليس فيهم من حملها على الكل، أو لا يحمل على شيء منها، وهو الباقي، ولما بطل هذا القسم وجب الحكم بأنها من أسماء الألقاب.

.جعلها أسماء ألقاب أو معاني:

فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: هذه الألفاظ غير معلومة، قوله: لو جاز ذلك لجاز التكلم مع العربي بلغة الزنج قلنا: ولم لا يجوز ذلك؟ وبيانه أن الله تعالى تكلم بالمشكاة وهو بلسان الحبشة، والسجيل والاستبرق فارسيان، قوله: وصف القرآن أجمع بأنه هدى وبيان قلنا: لا نزاع في اشتمال القرآن على المجملات والمتشابهات، فإذا لم يقدح ذلك في كونه هدى وبيانًا فكذا هاهنا، سلمنا أنها مفهومة، لكن قولك: إنها إما أن تكون من أسماء الألقاب أو من أسماء المعاني.
إنما يصح لو ثبت كونها موضوعة لإفادة أمر ما وذلك ممنوع، ولعل الله تعالى تكلم بها لحكمة أخرى، مثل ما قال قطرب من أنهم لما تواضعوا في الابتداء على أن لا يلتفتوا إلى القرآن أمر الله تعالى رسوله بأن يتكلم بهذه الأحرف في الابتداء حتى يتعجبوا عند سماعها فيسكتوا، فحينئذٍ يهجم القرآن على أسماعهم، سلمنا أنها موضوعة لأمر ما، فلم لا يجوز أن يقال: إنها من أسماء المعاني؟ قوله: إنها في اللغة غير موضوعه لشيء البتة.
قلنا لا نزاع في أنها وحدها غير موضوعة لشيء، ولكن لم لا يجوز أن يقال: إنها مع القرينة المخصوصة تفيد معنى معينًا؟ وبيانه من وجوه: أحدها: أنه عليه السلام كان يتحداهم بالقرآن مرة بعد أخرى فلما ذكر هذه الحروف دلت قرينة الحال على أن مراده تعالى من ذكرها أن يقول لهم: إن هذا القرآن إنما تركب من هذه الحروف التي أنتم قادرون عليها، فلو كان هذا من فعل البشر لوجب أن تقدروا على الإتيان بمثله، وثانيها: أن حمل هذه الحروف على حساب الجمل عادة معلومة عند الناس، وثالثها: أن هذه الحروف لما كانت أصول الكلام كانت شريفة عزيزة، فالله تعالى أقسم بها كما أقسم بسائر الأشياء، ورابعها: أن الاكتفاء من الاسم الواحد بحرف واحد من حروفه عادة معلومة عند العرب، فذكر الله تعالى هذه الحروف تنبيهًا على أسمائه تعالى.
سلمنا دليلكم لكنه معارض بوجوه: أحدها: أنا وجدنا السور الكثيرة اتفقت في: {الم} و{حم} فالاشتباه حاصل فيها، والمقصود من اسم العلم إزالة الاشتباه.
فإن قيل: يشكل هذا بجماعة كثيرين يسمون بمحمد؛ فإن الاشتراك فيه لا ينافي العلمية.
قلنا: قولنا {ألم} لا يفيد معنى ألبتة، فلو جعلناه علمًا لم يكن فيه فائدة سوى التعيين وإزالة الاشتباه فإذا لم يحصل هذا الغرض امتنع جعله علمًا، بخلاف التسمية بمحمد، فإن في التسمية به مقاصد أخرى سوى التعيين، وهو التبرك به لكونه إسمًا للرسول، ولكونه دالًا على صفة من صفات الشرف، فجاز أن يقصد التسمية به لغرض آخر من هذه الأغراض سوى التعيين، بخلاف قولنا: {ألم} فإنه لا فائدة فيه سوى التعيين، فإذا لم يفد هذه الفائدة كانت التسمية به عبثًا محضًا.
وثانيها: لو كانت هذه الألفاظ أسماء للسور لوجب أن يعلم ذلك بالتواتر؛ لأن هذه الأسماء ليست على قوانين أسماء العرب، والأمور العجيبة تتوفر الدواعي على نقلها لاسيما فيما لا يتعلق بإخفائه رغبة أو رهبة، ولو توفرت الدواعي على نقلها لصار ذلك معلومًا بالتواتر وارتفع الخلاف فيه، فلما لم يكن الأمر كذلك علمنا أنها ليست من أسماء السور، وثالثها: أن القرآن نزل بلسان العرب، وهم ما تجاوزوا ما سموا به مجموع اسمين نحو معدي كرب وبعلبك، ولم يسم أحد منهم بمجموع ثلاثة أسماء وأربعة وخمسة، فالقول بأنها أسماء السور خروج عن لغة العرب، وأنه غير جائز، ورابعها: أنها لو كانت أسماء هذه السور لوجب اشتهار هذه السور بها لا بسائر الأسماء، لكنها إنما اشتهرت بسائر الأسماء، كقولهم سورة البقرة وسورة آل عمران، وخامسها: هذه الألفاظ داخلة في السورة وجزء منها، وجزء الشيء مقدم على الشيء بالرتبة، واسم الشيء متأخر عن الشيء بالرتبة، فلو جعلناها اسمًا للسورة لزم التقدم والتأخر معًا، وهو محال، فإن قيل: مجموع قولنا: صاد اسم للحرف الأول منه، فإذا جاز أن يكون المركب اسمًا لبعض مفرداته فلم لا يجوز أن تكون بعض مفردات ذلك المركب اسمًا لذلك المركب؟ قلنا: الفرق ظاهر؛ لأن المركب يتأخر عن المفرد، والاسم يتأخر عن المسمى، فلو جعلنا المركب اسمًا للمفرد لم يلزم إلا تأخر ذلك المركب عن ذلك المفرد من وجهين، وذلك غير مستحيل، أما لو جعلنا المفرد اسمًا للمركب لزم من حيث أنه مفرد كونه متقدمًا ومن حيث أنه اسم كونه متأخرًا، وذلك محال، وسادسها: لو كان كذلك لوجب أن لا تخلو سورة من سور القرآن من اسم على هذا الوجه، ومعلوم أنه غير حاصل.
الجواب: قوله المشكاة والسجيل ليستا من لغة العرب.
قلنا: عنه جوابان:
أحدهما: أن كل ذلك عربي، لكنه موافق لسائر اللغات، وقد يتفق مثل ذلك في اللغتين.
الثاني: أن المسمى بهذه الأسماء لم يوجد أولًا في بلاد العرب، فلما عرفوه عرفوا منها أسماءها، فتكلموا بتلك الأسماء، فصارت تلك الألفاظ عربية أيضًا.
قوله: وجد أن المجمل في كتاب الله لا يقدح في كونه بيانًا قلنا: كل مجمل وجد في كتاب الله تعالى قد وجد في العقل، أو في الكتاب، أو في السنة بيانه، وحينئذٍ يخرج عن كونه غير مفيد، إنما البيان فيما لا يمكن معرفة مراد الله منه.
وقوله: لم لا يجوز أن يكون المقصود من ذكر هذه الألفاظ إسكاتهم عن الشغب؟ قلنا: لو جاز ذكر هذه الألفاظ لهذا الغرض فليجز ذكر سائر الهذيانات لمثل هذا الغرض، وهو بالإجماع باطل.
وأما سائر الوجوه التي ذكروها فقد بينا أن قولنا: {ألم} غير موضوع في لغة العرب لإفادة تلك المعاني، فلا يجوز استعمالها فيه، لأن القرآن إنما نزل بلغة العرب، ولأنها متعارضة، فليس حمل اللفظ على بعضها أولى من البعض؛ ولأنا لو فتحنا هذا الباب لانفتحت أبواب تأويلات الباطنية وسائر الهذيانات، وذلك مما لا سبيل إليه.
أما الجواب عن المعارضة الأولى: فهو أن لا يبعد أن يكون في تسمية السور الكثيرة باسم واحد ثم يميز كل واحد منها عن الآخر بعلامة أخرى حكمة خفية.
وعن الثاني: أن تسمية السورة بلفظة معينة ليست من الأمور العظام، فجاز أن لا يبلغ في الشهرة إلى حد التواتر.
وعن الثالث: أن التسمية بثلاثة أسماء خروج عن كلام العرب إذا جعلت اسمًا واحدًا على طريقة حضرموت فأما غير مركبة بل صورة نثر أسماء الأعداد فذاك جائز؛ فإن سيبويه نص على جواز التسمية بالجملة، والبيت من الشعر، والتسمية بطائفة من أسماء حروف المعجم.
وعن الرابع: أنه لا يبعد أن يصير اللقب أكثر شهرة من الاسم الأصلي فكذا هاهنا.
وعن الخامس: أن الاسم لفظ دال على أمر مستقل بنفسه من غير دلالة على زمانه المعين، ولفظ الاسم كذلك، فيكون الاسم اسمًا لنفسه، فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكون جزء الشيء اسمًا له.
وعن السادس: أن وضع الاسم إنما يكون بحسب الحكمة، ولا يبعد أن تقتضي الحكمة وضع الاسم لبعض السور دون البعض.
على أن القول الحق: أنه تعالى يفعل ما يشاء، فهذا منتهى الكلام في نصرة هذه الطريقة.
واعلم أن بعد هذا المذهب الذي نصرناه بالأقوال التي حكيناها قول قطرب: من أن المشركين قال بعضهم لبعض: {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} [فصلت: 26] فكان إذا تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول هذه السورة بهذه الألفاظ ما فهموا منها شيئًا، والإنسان حريص على ما منع، فكانوا يصغون إلى القرآن ويتفكرون ويتدبرون في مقاطعه ومطالعه؛ رجاء أنه ربما جاء كلام يفسر ذلك المبهم، ويوضح ذلك المشكل.
فصار ذلك وسيلة إلى أن يصيروا مستمعين للقرآن ومتدبرين في مطالعه ومقاطعه.
والذي يؤكد هذا المذهب أمران: أحدهما: أن هذه الحروف ما جاءت إلا في أوائل السور، وذلك يوهم أن الغرض ما ذكرنا والثاني: إن العلماء قالوا: أن الحكمة في إنزال المتشابهات هي أن المعلل لما علم اشتمال القرآن على المتشابهات فإنه يتأمل القرآن ويجتهد في التفكر فيه على رجاء أنه ربما وجد شيئًا يقوي قوله وينصر مذهبه، فيصير ذلك سببًا لوقوفه على المحكمات المخلصة له عن الضلالات، فإذا جاز إنزال المتشابهات التي توهم الضلالات لمثل هذا الغرض فلأن يجوز إنزال هذه الحروف التي لا توهم شيئًا من الخطأ والضلال لمثل هذا الغرض كان أولى.
أقصى ما في الباب أن يقال: لو جاز ذلك فليجز أن يتكلم بالزنجية مع العربي.
وأن يتكلم بالهذيان لهذا الغرض، وأيضًا فهذا يقدح في كون القرآن هدى وبيانًا، لكنا نقول: لم لا يجوز أن يقال: إن الله تعالى إذا تكلم بالزنجية مع العربي وكان ذلك متضمنًا لمثل هذه المصلحة فإن ذلك يكون جائزًا؟ وتحقيقه أن الكلام فعل من الأفعال، والداعي إليه قد يكون هو الإفادة، وقد يكون غيرها، قوله: أنه يكون هذيانًا.
قلنا: إن عنيت بالهذيان الفعل الخالي عن المصلحة بالكلية فليس الأمر كذلك، وإن عنيت به الألفاظ الخالية عن الإفادة فلم قلت إن ذلك يقدح في الحكمة إذا كان فيها وجوه أخر من المصلحة سوى هذا الوجه؟ وأما وصف القرآن بكونه هدى وبيانًا فذلك لا ينافي ما قلناه؛ لأنه إذا كان الغرض ما ذكرناه كان استماعها من أعظم وجوه البيان والهدى والله أعلم.

.القول بأنها أسماء السور:

فروع على القول بأنها أسماء السور: الأول: هذه الأسماء على ضربين: أحدهما: يتأتى فيه الإعراب، وهو إما أن يكون اسمًا مفردًا كصاد، وقاف، ونون أو أسماء عدة مجموعها على زنة مفرد كحم، وطس ويس؛ فإنها موازنة لقابيل وهابيل، وأما طسم فهو وإن كان مركبًا من ثلاثة أسماء فهو كدر ابجرد، وهو من باب ما لا ينصرف، لاجتماع سببين فيها وهما العلمية والتأنيث.
والثاني: ما لا يتأتى فيه الإعراب، نحو كهايعص، والأمر، إذا عرفت هذا فنقول: أما المفردة ففيها قراءتان: إحداهما: قراءة من قرأ صاد وقاف ونون بالفتح، وهذه الحركة يحتمل أن تكون هي النصب بفعل مضمر نحو: اذكر، وإنما لم يصحبه التنوين لامتناع الصرف كما تقدم بيانه وأجاز سيبويه مثله في حموطاس وياس لو قرئ به، وحكى السيرافي أن بعضهم قرأ (ياس) بفتح النون؛ وأن يكون الفتح جرًا، وذلك بأن يقدرها مجرورة بإضمار الباء القسمية، فقد جاء عنهم: الله لأفعلن غير أنها فتحت في موضع الجر لكونها غير مصروفة، ويتأكد هذا بما روينا عن بعضهم أن الله تعالى أقسم بهذه الحروف، وثانيتهما: قراءة بعضهم صاد بالكسر.
وسببه التحريك لالتقاء الساكنين.
أما القسم الثاني وهو ما لا يتأتى الإعراب فيه فهو يجب أن يكون محكيًا، ومعناه أن يجاء بالقول بعد نقله على استبقاء صورته الأولى كقولك: دعني من تمرتان.
الثاني: أن الله تعالى أورد في هذه الفواتح نصف أسامي حروف المعجم: أربعة عشر سواء، وهي: الألف، واللام، والميم، والصاد، والراء، والكاف، والهاء، والياء، والعين والطاء، والسين، والحاء، والقاف، والنون في تسع وعشرين سورة.
الثالث: هذه الفواتح جاءت مختلفة الأعداد، فوردت ص ق ن على حرف، وطاه وطاس وياس وحام على حرفين، وألم والر وطاسم على ثلاثة أحرف، والماص والأمر على أربعة أحرف، وكهاعيص وحمعاسق على خمسة أحرف، والسبب فيه أن أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف فقط فكذا هاهنا.
الرابع: هل لهذه الفواتح محل من الإعراب أم لا؟ فنقول: إن جعلناها أسماء للسور فنعم، ثم يحتمل الأوجه الثلاثة، أما الرفع فعلى الابتداء، وأما النصب والجر فلما مر من صحة القسم بها، ومن لم يجعلها أسماء للسور لم يتصور أن يكون لها محل على قوله، كما لا محل للجمل المبتدأة وللمفردات المعدودة. اهـ.

.قال ابن عطية:

اختلف في الحروف التي في أوائل السورة على قولين:
قال الشعبي عامر بن شراحيل وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين: هي سرّ الله في القرآن، وهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه، ولا يجب أن يتكلم فيها، ولكن يؤمن بها وتُمَرُّ كما جاءت.
وقال الجمهور من العلماء: بل يجب أن يُتكلم فيها وتُلتمس الفوائد التي تحتها والمعاني التي تتخرج عليها واختلفوا في ذلك على اثني عشر قولًا:
فقال علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما: الحروف المقطعة في القرآن هي اسم الله الأعظم، إلا أنا لا نعرف تأليفه منها.
وقال ابن عباس أيضًا: هي أسماء الله أقسم بها.
وقال زيد بن أسلم: هي أسماء للسور.
وقال قتادة: هي أسماء للقرآن كالفرقان والذكر.
وقال مجاهد: هي فواتح للسور.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: كما يقولون في أول الإنشاد لشهير القصائد: بل ولا بل. نحا هذا النحو أبو عبيدة والأخفش.
وقال قوم: هي حساب أبي جاد لتدل على مدة ملة محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث حيي بن أخطب وهو قول أبي العالية رفيع وغيره.
وقال قطرب وغيره: هي إشارة إلى حروف المعجم، كأنه يقول للعرب: إنما تحديتكم بنظم من هذه الحروف التي عرفتم، فقوله: {الم} بمنزلة قولك أ، ب، ت، ث، لتدل بها على التسعة والعشرين حرفًا.
وقال قوم: هي أمارة قد كان الله تعالى جعلها لأهل الكتاب أنه سينزل على محمد كتابًا في أول سور منه حروف مقطعة.
وقال ابن عباس: هي حروف تدل على: أنا الله أعلم، أنا الله أرى، أنا الله أفصّل.
وقال ابن جبير عن ابن عباس: هي حروف كل واحد منها إما أن يكون من اسم من أسماء الله، وإما من نعمة من نعمه، وإما من اسم ملك من ملائكة، أو نبي من أنبيائه.
وقال قوم: هي تنبيه كيا في النداء.
وقال قوم: روي أن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن بمكة نزلت ليستغربوها فيفتحوا لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة.
قال القاضي أبو محمد: والصواب ما قاله الجمهور أن تفسر هذه الحروف ويلتمس لها التأويل: لأنا نجد العرب قد تكلمت بالحروف المقطعة نظمًا لها ووضعًا بدل الكلمات التي الحروف منها، كقول الشاعر: الوليد بن المغيرة الرجز:
قلنا لها قفي فقالت قاف

أراد قالت: وقفت. وكقول القائل: زهير بن أبي سلمى الرجز:
بالخير خيرات وإن شرًّا فا ** ولا أريد الشر إلا أن تا

أراد: وإن شرًّا فشر، وأراد: إلا أن تشاء. والشواهد في هذا كثيرة، فليس كونها في القرآن مما تنكره العرب في لغتها، فينبغي إذا كان معهود كلام العرب أن يطلب تأويله ويلتمس وجهه، والوقف على هذه الحروف على السكون لنقصانها إلا إذا أخبرْتَ عنها أو عطفْتَها فإنك تُعربها.
وموضع {الم} من الإعراب رفع على أنه خبر ابتداء مضمر، أو على أنه ابتداء، أو نصب بإضمار فعل، أو خفض بالقسم، وهذا الإعراب يتجه الرفع منه في بعض الأقوال المتقدمة في الحروف، والنصب في بعض، والخفض في قول ابن عباس رضي الله عنه أنها أسماء لله أقسم بها. اهـ.